نبيل شرف الدين من القاهرة: لعل البهجة الوحيدة التي شهدها الاجتماع الدوري لوزراء الخارجية العرب كانت حين رحبوا بأول وزيرة عربية للخارجية الموريتانية الناها بنت حمدي، وهي أول وزيرة خارجية ليس في بلادها فقط، بل وفي العالم العربي كله، وقد أعرب عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية عن تطلعه لأن تسهم الوزيرة الموريتانية بخبراتها العريضة، معتبراً أن تعيينها كوزيرة خارجية يعد علامة بارزة على التطور السياسي في موريتانيا .
لكن كانت هناك عدة ملفات صعبة تنتظر الوزراء العرب، وما أكثرها، خاصة بعد أن دخلت على خط المصالحة والوساطة بين بغداد ودمشق، إثر التطورات الأخيرة التي اتهمت فيها العراق جارتها سورية بإيواء عناصر من البعثيين السابقين، الذين تتهمهم الحكومة العراقية بأنهم كانوا يقفون خلف التفجيرات الأخيرة التي أصطلح على تسميتها بالأربعاء الدامي" .
في هذا السياق أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن بلاده "تدعم وتحرص على وحدة العراق وسيادته وأمنه واستقراره وتدعم العملية السياسية فيه وتعتبر أن أمن العراق واستقراره جزء من أمن سورية، بل والأمة العربية جميعا"، على حد تعبيره.
ومضى المعلم في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال الاجتماع الوزاري العربي، عقب تسلمه رئاسة الدورة من وزير الدولة للشئون الخارجية السوداني: "لقد عملت سورية على تقوية العلاقات السورية العراقية بمختلف وجوهها وآلمتنا التفجيرات الإرهابية التي حدثت في بغداد يوم الأربعاء الدامي وقد أدناها بقوة، إلا أننا فوجئنا بعد أيام باتهامنا بإيواء من هم مسئولين عن هذه التفجيرات" .
وأضاف الوزير السوري "أن هذه التطورات أمر مؤسف جدا ولا تخدم مصلحة العراق ولا مصلحة سورية وتضر بالوضع العربي عامة"، لكنه استدرك قائلاً "نحن منفتحون على حل الأزمة الراهنة على أساس تقديم أدلة ووثائق مقنعة ، مؤكدا حرص بلاده على أرواح ومصالح الشعب العراقي" .
بنود ووساطات
وشارك في أعمال الدورة وزيرا خارجية تركيا والسويد الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي حيث ألقى كل منهما كلمة في الجلسة الافتتاحية بعد أن تحدث وزيرا خارجية سورية والسودان والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قبل أن ترفع الجلسة الافتتاحية وتبدأ الجلسة المغلقة الأولى، لإقرار مشروع جدول الأعمال ومن ثم إعداد مشاريع القرارات التي رفعها المندوبون الدائمون للوزراء العرب .
وشدد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى التزام الدول العربية بمبادرتها للسلام مع إسرائيل، وقال موسى "إن المؤشرات في إسرائيل تنبئ بإفشال التحرك الأميركي"، واستدرك مضيفاً: "أما التطبيع فيأتي في السياق الذي حددته المبادرة العربية لا أكثر ولا أقل"، وهي المبادرة التي تقدمت بها السعودية وأقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 وتدعو إسرائيل إلى انسحاب كامل من الأراضي التي احتلتها عام 1976 والموافقة على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين مقابل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينها وبين الدول العربية .
وتضمن جدول أعمال الدورة "132" نحو 28 بندا تناول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية في العالم العربي تصدرتها القضية الفلسطينية وتطوراتها المتلاحقة، ومنها موضوعات القدس والاستيطان والجدار والانتفاضة واللاجئين، ودعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتقارير وتوصيات المشرفين على شئون اللاجئين الفلسطينيين ، الأمن المائي العربي، كما ناقش بنودا حول الجولان السوري المحتل، والتضامن مع لبنان" .
كما ناقش الاجتماع الوزاري العربي أيضاً مجمل الوضع في السودان لاسيما ما يتعلق بأزمة دارفور والأوضاع الإنسانية في الإقليم، والجهود المبذولة حالياً لتنفيذ اتفاقية نيفاشا الخاصة بجنوب السودان، وتحقيق السلام والتنمية في السودان .
وتضمن جدول الأعمال بنداً حول مسألة السلاح النووي الإسرائيلي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية في كافة البلدان العربية ، إلى جانب قضية الإرهاب الدولي وسبل مكافحته، حيث قدم فريق عربي مختص تقريرا للاجتماع الوزاري بعد أن اجتمع خصيصاً لهذا الغرض .
رؤية تركية
أما عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية فقد جدد الحديث عن أهمية استعادة التضامن العربي باعتباره وسيلة رئيسية لحماية مصالح كل شعوب المنطقة، وقال :"إنه سيقدم تقريرا بشأن تفعيل مجلس السلم والأمن العربي باعتباره الآلية المناسبة للتعامل مع أي تطور سلبي قد يحدث في العلاقات العربية البينية وسيقترح توسيع صلاحيته ، وتشكيلاته لتأهيله للقيام بالإنذار المبكر والدبلوماسية الوقائية " .
من جانبه قال وزير الخارجية التركي داوود أوغلو "إن من أولويات السياسة التركية هو إرساء الاستقرار والسلام والرفاهية في إطار منطقتنا، لإخراجها من الصراعات ، والكف عن استخدام القوة أو التلويح بها ، واعتماد مبدأ الحوار لحل المشاكل بين دول المنطقة" .
وأوضح أن مبدأ السياسة الخارجية التركية هي "صفر مشكلات مع دول الجوار" (أي لا مشكلات مع دول الجوار)، وقال إن بلاده تولي أهمية كبيرة لمنتدى التعاون العربي التركي والتعاون التركي مع مجلس التعاون الخليجي لدعم العلاقات التركية العربية ، مشيرا إلى أن تركيا تربطها علاقات مؤسسية وتاريخية مع العالم العربي ، وأضاف "نحن في تركيا نريد تعزيز هذه العلاقات".
ومضى أوغلو مؤكداً ضرورة حل المشاكل الداخلية في اليمن من خلال الحوار ، كما أكد دعم بلاده للحكومة العراقية في فرض سيادتها على كامل ترابها الوطني ، مشيدا بسوريا في تعاونها مع تركيا في معالجة الأزمة مع العراق ، ووصف موقفها بالرشيد .
ولفت الوزير التركي إلى تزايد التبادل التجاري بين العالم العربي وتركيا حيث تضاعف خمس مرات من 8ر5 مليار دولار في عام 2002 إلى 37 مليار دولار أميركي، ورغم الأزمة المالية العالمية فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين في الربع الأمل من عام 2009 تسعة مليارات دولار.
اتفاق سوري-عراقي على وقف الحملات الإعلامية
وعلى هامش الاجتماع، أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنه تم الاتفاق خلال اجتماع رباعي ضمه في القاهرة إلى وزيري خارجية العراق هوشيار زيباري وتركيا أحمد داود أوغلو والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على وقف الحملات الإعلامية بين سوريا والعراق، وتشكيل لجان أمنية مشتركة، والإسراع بعودة السفيرين.
وقال المعلم في مؤتمر صحافي مشترك مع موسى إن "الاجتماع الرباعي اليوم كان اجتماعاً مهماً للغاية، لأنه تم خلاله شرح وجهات النظر السورية والعراقية بكل موضوعية، وكان الهدف أن نركز على الانفجارات الدامية التي حدثت في بغداد في 19 أغسطس" الماضي.
وأضاف أن "النتائج التي خلصنا إليها هي وقف الحملات الإعلامية واجتماع لجان امنية (من البلدين لبحث الاتهامات الموجهة من العراق إلى سوريا) والإسراع بعودة السفيرين"
من جهته، أكد موسى أن البحث خلال الاجتماع الرباعي "تركز حول ما حدث في 19 أغسطس من جريمة كبرى". وتابع "المشاورات جرت في جو هادئ وبناء، والرغبة كانت واضحة من الطرفين في تجنب التصعيد والإحاطة بهذا الموضوع بسرعة".
وشدد على أن "الواضح في مناقشات اليوم أنه لا اتهام (عراقياً) موجه إلى سوريا، وإنما موجه إلى بعض العراقيين، الذين وجدت الحكومة العراقية أن لهم صلة بأحداث 19 أغسطس، وتتابعهم (لمعرفة) هل هم موجودون في سوريا، أم غادروها، أم يتم تسليمهم إلى الانتربول".
وأكد موسى أن الطرفين رحبا بإنهاء الخلافات بينهما في "إطار إقليمي" ورحّبا بوساطة تركيا والجامعة العربية، ملمحاً بذلك إلى أنه تم الاتفاق على عدم تدويل النزاع. وقال الأمين العام للجامعة إن المشاورات ستستمر بين الأطراف الأربعة، موضحاً أن "اجتماعاً رباعياً آخر سيعقد الأسبوع المقبل في أسطنبول، ثم اجتماع ثالث في نيويورك" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
من جانبه، أشار المعلم إلى أن الرسالة التي بعث بها العراق أخيراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للمطالبة بتحقيق دولي في اعتداءات بغداد "كانت قبل الاجتماع الرباعي (الاربعاء) الذي تم الاتفاق خلاله على معالجة أحداث 19 أغسطس من خلال الدور العربي والوساطة والتركية أي بالبعد العربي-الإقليمي".
غير أنه أضاف "لأن سوريا واثقة من أن لا علاقة لها بتفجيرات 19 أغسطس، فإنني أؤكد أن تدويل هذا الأمر من جانب العراق شأن عراقي لا يعنينا".
